كيف يتجاوز الإنسان فترة الفتور في الطاعة، وتكون بغير إرادته؟

1 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
دكتوراة في الفقه وأصوله (٢٠١٠-٢٠١٣)
.
٢٠ يناير ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
 إن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الأسلام يزيد وينقص ، ويقوى ويضعف ، فحصول الفتور في الطاعة في بعض الأوقات والأزمنة أمر طبيعي يحصل لغالب الناس من أهل الصلاح والدين مع تقلبات الحياة ومعافستها والسعي فيها ، لذلك أمرنا بتجديد الإيمان ! 

جاء في الحديث "  "إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم". 

 روى مسلم في صحيحه : " عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ  رضي الله عنه  ، قَالَ : لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ  رضي الله عنه  ، فَقَالَ : كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ ؟ قَالَ قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ ، قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، مَا تَقُولُ ؟ قَالَ قُلْتُ : نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم   عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ ، فَنَسِينَا كَثِيرًا ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  ، قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  : وَمَا ذَاكَ ؟ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ ، سَاعَةً وَسَاعَةً ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) ". 

فهذا صحابي جليل شهد الرسول والتنزيل ومع ذلك لاحظ ذلك في قلبه . 

واعلم أن ملاحظتك للفتور والانتباه إليه واهتمامك بإزالته ودفعه وعدم الرضا به والإغراق فيه دلالة على حياة قلبك وصفاء نيتك ، وهذه نعمة ، لأن بعض القلوب يغلب عليها الران والطبع والمعصية فلا يبقى فيها شعور بألم المعصية والبعد عن الرب سبحانه ، فهو في سكرته لاه ساه ، نسأل الله العافية. 

وعلاج هذا الفتور  من حيث الجملة  هو بدفع أسبابه التي قادت إليه وهي كثيرة ، ولكن لا بد أن يكون عندك سبب خاص بك أنت أعلم به من غيرك هو الذي أوقعك في الفتور ، من معصية معنية أصررت عليها أو دنيا انشغلت بها أو رفقة غير صالحة تكثر صحبتها أو تقصير في أوراد وأذكار  أو قلة قراءة للقران أو غير ذلك من أسباب شغلت قلبك فأورثته هذا الفتور ، فعليك أن تبحث في خاصة نفسك وتفتش عن السبب وتعمل على معالجته . 

وهناك مجموعة من الأسباب التي تعين بشكل عام على علاج هذا الفتور وهي أسباب تزيد من جرعة الإيمان في القلب وتخفف من قسوته ، لأن حقيقة الفتور هو نوع قسوة في القلب ، ومن هذه الأسباب : 

1. سؤال الهداية من الله بصدق ، فأنت في كل ركعة تقول " اهدنا الصراط المستقيم " ، وهو سبحانه يملك القلوب يقلبها كيف يشاء ، لذلك كان أكثر يمين النبي عليه السلام " ولا ومقلب مقلوب " ، وجاء في الحديث من دعاء النبي عليه السلام "   اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ ، وَأَسْأَلُكَ عَزِيمَةَ الرُّشْدِ ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا ، وَقَلْبًا سَلِيمًا ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ". 

2. الإكثار من الذكر وجعل اللسان رطباً بذكر الله ، ولو كان ذلك بدون حضور كامل للقلب ، ولكن مع الإكثار منه وإدامته يرتبط القلب مع الله سبحانه . 

قال تعالى   {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}

 قال رجل للحسن البصري: "يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي؟ قال: أذبه بالذكر". 

قال ابن القيم رحمه الله : "في القلب قسوة لا يزيلها إلا ذكر الله تعالى، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله". 

3. تلاوة القران والتدبر فيه ، فالقران فيه شفاء للقلوب من كل مرض ، والفتور مرض من أمراض القلوب . 

قال تعالى "اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ " (الزمر ، 23) 

4. تذكر الموت ، وقصر الأمل :  

روي في الحديث "  كفى بالموت واعظاً " . 

وروي في حديث آخر " قال رجل من الأنصار: من أكيس الناس وأكرم الناس يا رسول الله: فقال: أكثرهم ذكرا للموت، وأشدهم استعدادا له، أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة " . 

كان الربيع بن خثيم " قد حفر قبرا في داره فكان ينام فيه كل يوم مرات يستديم بذلك ذكر الموت وكان يقول لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة واحدة لفسد " . 

5. محاسبة النفس ومراقبتها : 

قال تعالى "  يا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) ". 

وفي الحديث "  الكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِما بَعْدَ الْموْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا، وتمَنَّى عَلَى اللَّهِ "  

وكان عمر رضي الله عنه يقول " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ". 

6. رفقة الصالحين الذين يذكرونك بالله والدار الآخرة ، وترك مرافقة الغافلين وأهل الدنيا ما استطاع الواحد . 

قال تغالى "  وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) "  

والله أعلم

  • مستخدم مجهول
  • مستخدم مجهول
قام 2 شخص بتأييد الإجابة