كان الشعر وظيفة مرموقة في العصر الجاهلي تبعاً لطبيعة الناس التي تعير الشعر والشعراء جل اهتمامهم وتقديرهم ويفرضها عليهم طبيعة حياتهم وطبيعة اللغة البليغة التي يستخدمها العرب ويفخر بها. الغرض الذي أصبح بسببه الشعر هو بشكل رئيسي المديح وتسجيل مناقب أسياد العشائر والملوك ولأغنياء.
للمديح تأثير لا يصدق في كل العصور على من يتلقاه ومن يلقيه ببعض الحالات، كحالة مديح الشعراء بالعصر الجاهلي. أغراض الشعر المحدودة في ذاك العصر. كما تعلم فإن بيئة الشعر ومنزلته في العصر الجاهلي ليست مثل أيامنا هذه كما أن ما يهم الناس آنذاك لا يخطر على بالنا. يكسب عن طريق المديح الشاعر لقمة عيشه، أو قد تكون سبب لثرائه، وتأثيره على طريقة سير الأمور. يختلف السبب الذي يدفع الشعراء لمديح ملوكهم وسلاطين زمانهم.
يدفع تأثر الملك بالكلمات التي تشعره بالفخر والكبر بحكم طبيعة الناس في العصر الجاهلي، لبسط يديه بسخاء لهذه الشاعر وإعطاءه النقود والهدايا وقد تدفعه ببعض الأحيان لوضعه في منصب ما مهم في الدولة. يس الطمع دائما السبب، فربما يريد الشاعر غرز صفات معينة عند الحاكم أو طلباً لتغيير رأيه واستمالته لمراد الشاعر؛ فكما تعلم أن الشعراء لهم آرائهم وآمالهم من أجل الدولة. تعزير ومدح فضائله من شجاعة وحكمة وغيرها هو سبب آخر. يعني أن إعجاب الشاعر قد يكون هو الدافع الأساسي، بغض النظر عن تلقيه الهدايا.
يعمل الشعر على إشاعة فضائل الممدوح بين الناس، سواء كان يستحق أم لا وهو السبب الذي يجث الممدوح بإعطاء المكافئات لهذا الشعر. كما يعمل الشعر على تخليد ذكرى هذه الحاكم كلما كانت هذه القصيدة بليغة ووذات معاني جزلة ومشهورة ومتوارثة بين الناس آنذاك. وقد يكون العكس، فقد يخاف الحاكم من ذم الشعراء لهم وهجائهم مما يجعلهم يضعون حسابا لهم؛ لما لدى الشعر والشعراء من جماهير من الشعب.
أنا أرى أن الشعر بالعصر الجاهلي مشابه لوسائل الإعلام في عصرنا هذا. ويمكن تشبه العمل في مجال الشعر بغرض المديح، لما يقوم به بعض الرؤساء لتعزيز مكانتهم، أو لجعل رأي العام دائما بصفهم، بالسيطرة على قنوات التلفاز، ورشوتها لمديحهم فكلا الطرفين مستفيد من هذه العملية.