كيف تناولت سورة الذاريات آداب الضيافة

1 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
دكتوراة في الفقه وأصوله (٢٠١٠-٢٠١٣)
.
٠٩ نوفمبر ٢٠٢٠
قبل ٤ سنوات
تناولت سورة الذاريات آداب الضيافة في سياق حديثها عن قصة إبراهيم عليه السلام مع أضيافه من الملائكة ، قال تعالى " هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين ، إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون ، فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين ، فقربه إليهم قال ألا تأكلون ، فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم " ( الذاريات ، 24- 28 ) 
وقد لخص ابن القيم رحمه الله وجمع في كتابه (جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام ) آداب الضيافة التي أشارت إليها هذه الآيات كما يلي :
 ( ...
▪ الثاني: قوله تعالى: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ}، فلم يذكر استئذانهم؛ لأنه قد عُرف بإكرام الضيفان، واعتاد قِراهم، فبقي منزل ضيفه مطروقاً لمن ورده، لا يحتاج إلى استئذان، بل استئذان الداخل دخوله، وهذا غاية ما يكون من الكرم. 
▪ الثالث: قوله لهم: {سَلامٌ} بالرفع، وهم سلموا عليه بالنصب، والسلام بالرفع أكمل؛ لأنه يدل على الجملة الاسمية الدالة على الثبوت والدوام، والمنصوب يدل على الفعلية الدالة على الحدوث والتجدد، فقد حياهم بتحية أحسن من تحيتهم، فإن قولهم: {سَلامًا} يدل على: سلمنا سلاما، وقوله: {سَلامٌ} أي: سلام عليكم.
 ▪ الرابع: أنه حذف المبتدأ من قوله: {قَوْمٌ مُّنكَرُونَ}، فإنه لما أنكرهم ولم يعرفهم احتشم من مواجهتهم بلفظ ينفر الضيف لو قال: أنتم قوم منكرون. 
▪ الخامس: بناء اسم المفعول للمجهول، ولم يقل: إني أنكركم، وهو أحسن في هذا المقام، وأبعد من التنفير، والمواجهة بالخشونة. 
▪ السادس: أنه عليه السلام راغ إلى أهله ليجيئهم بنُزُلهم، والروغان هو الذهاب في اختفاء بحيث لا يكاد يشعَر به. 
▪ السابع: أنه ذهب إلى أهله فجاء بالضيافة، فدل أن ذلك كان معدا عندهم، مهيأً للضِيفان، ولم يحتج أن يذهب إلى غيرهم من جيرانه، أو غيرهم فيشتريه، أو يستقرضه. 
▪ الثامن: قوله: {فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} دل على خدمته للضيف بنفسه، ولم يقل: فأمر لهم، بل هو الذي ذهب، وجاء به بنفسه، ولم يبعثه مع خادمه، وهذا أبلغ في إكرام الضيف. 
▪ التاسع: أنه جاء بعجل كامل، ولم يأت ببعض منه، وهذا من تمام كرمه صلى الله عليه وسلم. 
▪ العاشر: وصف العجل بكونه سمينا، لا هزيلا، ومعلوم أن ذلك من أفخر أموالهم، ومثله يتخذ للاقتناء والتربية، فآثر به ضيفانه. 
▪ الحادي عشر: أنه قربه إليهم، ولم يقربهم إليه، وهذا أبلغ في الكرامة، أن يجلس الضيف ثم تقرب الطعام إليه، وتحمله إلى حضرته، ولا تضع الطعام في ناحية ثم تأمر ضيفك بأن يتقرب إليه. 
▪ الثاني عشر: قوله: {أَلَا تَأْكُلُونَ}، وهذا عرض وتلطف في القول، وهو أحسن من قوله: كلوا، أو مدوا أيديكم، ونحوهما..

ثم قال رحمه الله :   
فقد جمعتْ هذه الآية آداب الضيافة، التي هي أشرف الآداب، وما عداها من التكلفات التي هي تخلّف وتكلّف إنما هي من أوضاع الناس، وعوائدهم، وكفى بهذه الآداب شرفاً وفخراً، فصلى الله على نبينا، وعلى إبراهيم، وعلى آلهما وعلى سائر النبيين" .

والله اعلم