لنكن أكثر صراحة في هذا السؤال، هل من الضروري التورط في هكذا نوع من الشتائم؟
تعتبر الشتيمة من الكلمات ذات البذاءة والسفه ولغو القول، حيث في معظم الأحيان تعبر عن غضب الشخص تجاه الأفراد أو المجتمعات أو الأشياء عامة، وقد يتعدى الأمر ليصل الشتم إلى الأمور الدينية. فالشتيمة قد تكون أيضًا شتيمة عنصرية أو عرقية أو قومية أو جنسية. وقد تكون بعدة لغات. ففي المجتمعات العربية يتم الشتم باللغتين العربية والإنجليزية، وقد تتعدى الشتائم اللفظية لتصبح شتائم بالإيماءات وحركات الجسد المختلفة يوضح يانيس غابرييل، أستاذ النظرية التنظيمية في جامعة باث أن "الإهانات" الشتائم" تشمل طرفين، فاعل وهدف، وربما جمهور. لا يمكن أن تكون هناك إهانة بدون مرتكب أو طرف مهين. ملاحظة أو فعل يقصد به إهانة ولكن لم يتم تسجيله أو اختباره كواحد من قبل هدفه. بالكاد يمكن القول إنها تشكل إهانة، حتى لو أدرك الجمهور النية ".
يمر الإنسان في مرحلة قد يسمع بها الشتائم من حوله، في المدرسة، في الشارع، قد يكون أحيانًا في المنزل أو العمل، وقد يصل الحد للتقاذف بهذه الشتائم عبر صفحات التواصل الاجتماعي بصورة قميئة تخترق حدود الأدب والحفاظ على خصوصياتهم ومساحاتهم في التعبير عن النفس بشكل محترم. بالطبع أتحدث على ما يعرف بالشتائم الجنسية أو التطعيم. وقد اختصت هذه الشتائم وحوصرت بإطلاقها على النساء من أهل البيت وخاصة الأم والأخت، وقلما تسمع شتائم ذكورية، وهذا بسبب الهالة المقدسة التي تطلق على النساء في مجتمعاتنا وخاصة الأم ثم الأخت.
الشتائم ليست ظاهرة حديثة، كما أنها ليست مقصورة على أي منطقة جغرافية أو عرق. واعتقد بعض الباحثين أن الشتائم قديمة العهد لكن توسع استخدام الشتائم الجنسية خاصة في العصر المملوكي وذلك بسبب تغير الثقافة المجتمعية العامة، والتراجع الكبير في دور المرأة وتصاعد استخدام الجواري والحريم، والاختلاط ببيئات مختلفة، وطبيعة التنقل ما بين مدن الدول المملوكية. ولا ننفي وجود الشتائم الجنسية في العصور السابقة ومنها الفرعونية إلا أنها اقتصرت على الفعل، ولم تمس من قيمة المرأة ومكانتها وخاصة الأم. وكما يرى الدكتور محمد الرخاوي، وهو أستاذ علم نفس، أن المجتمعات المتحررة الجنسية هي التي تنتشر بها الشتائم الجنسية. بينما يرى الدكتور حسنين كشك، أستاذ علم الاجتماع، أن هناك رابط ما بين الشتائم الجنسية والتمييز الجنسي الجندري، وعدم المساواة على المستويات السياسية والعلاقات بين الجنسين. فهي نتاج لثقافة انفصامية ازدواجية في نظرها للجنس وحتى الجندر، بحيث لا تحترم المرأة، وتتحرش بها، وتنعتها بصفات بذيئة وأقلها إطلاق لقب العانس عليها؛ مع العلم أن كلمة العانس تطلق على الجنسين، الذكر والأنثى للذين لم يتزوجوا وكما نقول "فاتهم قطار الزواج" ولا يقتصر على الأنثى فقط.
ومن المؤسف في الوقت الحالي، تحول هذه الشتائم الجنسية والتي أطلق عليها كلمة" القذرة البذيئة" إلى ثقافة شبابية، من لا يتحدث بها يطلق عليه لقب الضعيف أو الهش أو بالشعبي" الخوخة"- تم التلاعب بالكلمة قليلًا حفظًا للذوق العام- والذي لا يستطيع مجاراة أقرانه في التشدق بالعبارات البذيئة والتي يطلقها كنوع من المزاح الثقيل، أو ليُكسب نفسه شخصية المتمرد الاجتماعي الذي لا يهاب مجتمعًا ولا عادات ولا قيم ولا حتى دين أو نوع من تدمير الحواجز الأخلاقية أو التكلفة بينه وبين أصدقائه. وبالرغم من هذا التفاخر في قدرته الخارقة على السباب والشتم، تجده أول من يضرب أو يؤذي من يشتم أهل بيته بشتيمة جنسية، وتجده يغلي غضبًا ويهاجم بسرعة، ليمسك بتلابيب من قام بشتم أمه أو أخته. والأدهى من ذلك انتقال بعد الكلمات من قاموس" التطعيم" لتصبح نوع من التحية والتودد بين الصحاب؛ وهنا لن أورد بعض الأمثلة، إذ أجد أننا نخرج عن الذوق العام عند ترداد بعضٍ من هذه الكلمات الوقحة.
حقيقةً، لا أجد سببًا أو مبررًا لإهانة شخص ما بذكر شتائم تستهدف أغلى ما يملك، ولا يوجد أي مبرر، أو سبب يحمل المرء على التخلي عن الأخلاق الحميدة التي تبناها أيضًا الدين ليهاجم من أمامه. للأسف فإنّ سيكولوجية الإهانات والإساءات واسعة النطاق، وتشمل النصوص الفرعية الثقافية والعاطفة الإنسانية الأساسية. وقد صدرّها عدد قليل من علماء النفس كنوع من المشاعر المكبوتة داخل شخصيتنا لا نرغب في كشفها أو التحدث عنها. هذا هو المكان الذي نخفي فيه الصفات التي نعتقد أنها غير مرغوب فيها وسلبية، وجميع الإساءات الجسدية واللفظية والعاطفية التي ربما عانينا منها ذات مرة. وفقًا لإيفا جاجوني، أخصائية العلاج النفسي السريري من المركز الأمريكي للطب النفسي والعصبي، "عند كبت المخاوف والمشاعر، مثل الافتقار إلى احترام الذات، والأفكار والسلوكيات التي تهزم الذات والشعور بالذنب، والغضب، بحيث لا يتم التعامل معها أو التغلب عليها، فسيستخدم الشخص الإهانات لإطلاق العنان للغضب، للهروب من التعامل مع الألم أو الصدمة التي يمر بها أو كوسيلة لممارسة السيطرة [على شخص آخر] والشعور بالقوة ".
الناس أيضًا يشتمون لأنهم ببساطة لا يعرفون أي شيء أفضل. يكررون الأنماط الشائعة الموجودة في البيئات التي يتعرضون لها - المنزل والمدرسة والعمل - وحيث تصبح الإهانة عادة للعمل أو التعامل مع المشاكل. تقول جاجوني: "حتى وسائل الإعلام تلعب اليوم دورًا رئيسيًا. فبعض الرسوم الكرتونية والأفلام وألعاب الفيديو، على سبيل المثال، تعلم الإهانات والعنف، مما يؤثر على الأطفال". وطبقاً لغابرييل، "يمكن أن تكون الإهانات لفظية، وتتكون من الاستهزاء بالذم، أو الملاحظات القاطعة، أو الصور النمطية السلبية، أو الوقاحة أو السب الصريح.... يمكن أن تكون الإهانات وحشية ولا لبس فيها ومباشرة، كما هو الحال في حالات الإيماءات غير اللائقة أو التحرش العنصري والجنسي... يمكن أيضًا أن تكون خفية، مستقرًا في الإيحاء أو تعبيرات الوجه، مما يترك مجالًا للتراجع عن حفظ الوجه أو يتأثر بتجاهل الطرف المتضرر ".
كما يتم أيضًا تفسير الكلمات والسلوكيات بشكل مختلف من قبل الأفراد اعتمادًا على قيمهم وثقافاتهم. فثقافة الشخص هي التي تشكل مواقفه أو مواقفها وكيف يعمل. ستلعب قيمنا الداخلية المتعلقة بالمنطقة والبلد والجنس وما إلى ذلك دورًا مهمًا في كيفية فهمنا لما يقال ويفعل بنا. كما قد يشتم شخص آخر لأنه يشعر بالغيرة منه، حتى يشعر أنه يحصل على حقه في إحباطك بسبب عدم حصولهم على الفضل الكافي لما يفعلونه.
يطلق الشارع المحلي على الشتائم الجنسية مفهوم التطعيم، حيث أن مفهوم التطعيم يتعلق بعملية التكثير الخضري، أو التكثير اللاجنسي، بنقل جزء من نبات إلى نبات آخر من مفهوم علمي . أما كلمة التطعيم عامة يقصد بها إجراءات تغيرات سلوكية معينة في كائن معين لأسباب مختلفة. والتطعيم طبيًّا يكون بإعطاء اللقاح الذي يحتوي على جراثيم المرض لتشكيل مناعة ضده
. أما سبب اختزال كلمة الشتائم الجنسية بكلمة "تطعيم" فاعتقد أن سببها من وجهة نظري أن الشخص يأخذ المطعوم مرغمًا غير راغب، ولا راغب بأخذ هذا المطعوم الذي يجبر عليه، ويكون من خلال وخزة الإبرة، وهنا يمكن النظر للأمر وكأن من يشتمك قد وخزك في المنطقة المحظورة التي لا تحبها، وأن تكره هذه الكلمات التي استمعت لها مضطرًا وعلى غفلة منك، كما أن أذى هذه الكلمة ليس فقط لحظيًّا، بل يستمر لوقت طويل وبالذات لو كان أمام جمع من الناس، وهكذا المطعوم، له اثر لحظي بالشعور بوجع الوخزة، ثم ظهور الأعراض الجانبية المتعبة من حمى أو استفراغ أو التهاب منطقة التطعيم أو الإسهال، أو جميعها معًا. وحتى في المستقبل مجرد رؤيتك للإبرة سيذكرك بالمرارة التي حصلت لك في عملية التطعيم أو أخذ اللقاح. وباعتقادي الشخصي أيضًا أن مفهوم التطعيم بالشتائم المرتبط بعملية الإطعام، جاءت بسبب أن الشخص المطعم أو الذي يتناول الأكل لا يمكنه إطعام نفسه لسبب أو آخر، فيمكن أن يكون طفلًا لا مكنه صد اللقمة التي يأكلها، وقد يكون ذلك المقصود من إطلاق الشتيمة الجنسية تجاه الآخرين، وهو استحقارهم وإهانتهم أنهم كالأطفال لن يستطيعوا الرد، وأنهم يسمعون تلك الشتائم ويغلقون أفواههم. وقد يُنسب مفهوم التطعيم من كلمة الإطعام أن الشخص الذي نطعمه ذليل أو عاجز أو لديه خلل ذهني، لذلك لن يستطيع رد صفعة إهانته لمن ساببه، وهنا أيضًا استهزاء والتقليل من شأن الشخص.
يبدو أن استخدام كلمة التطعيم أو " طعّمني" أو " طعّمه" هي أسهل بكثير من قول قام بشتمه شتيمة جنسية، أو ذكر الشتيمة الجنسية بشكل مباشر وعلني. وأعتقد أن أول من أطلق هذا المصطلح قد يكون شخص لا يستعمل تلك الشتائم البذيئة أو لا يستطيع قولها علنًا ضمن مجتمع محافظ، يعتبر الإساءة بقذف النساء بعبارات تخلو من التأدب والذوق والأخلاق. كما أن هذه الشتائم هي نوع من قذف المحصنات التي يعاقب عليها كل من الدين في قوله تعالى"إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" سورة النور - الآية 23. حيث يعتبر الدين الإسلامي ما يطلق عليه اليوم باسم " التطعيم" أنه من الكبائر، التي يعاقب عليها في الدنيا والآخرة إن لم يكن عليها بيِّنة. كما يعاقب عليها القانون من خلال
المادة 188 التي عرفت الذم: هو إسناد مادة معينة إلى شخص – ولو في معرض الشك والاستفهام – من شأنها أن تنال من شرفه وكرامته أو تعرضه إلى بغض الناس واحتقارهم سواءً أكانت تلك المادة جريمة تستلزم العقاب أم لا. والقدح: هو الاعتداء على كرامة الغير أو شرفه أو اعتباره – ولو في معرض الشك والاستفهام – من دون بيان مادة معينة. وحدد عقوبتهما بالسجن أو الغرامة أو كليهما.
لذا على كل شخص أن يحفظ لسانه، ويحترم من أمامه، والابتعاد عن اختزال الألفاظ بشتائم جنسية تقلل من قدره، وتجعل من يسمعه يجتنب لسانه السليط والتعامل معه. كما يجب التجاهل والابتعاد عن هؤلاء، نظرًا لصعوبة التعامل معهم. إلا لو كانوا من الصدقاء، فيجدر نصحهم والتحدث معهم حول خطورة ما يقومون به ولو مزاحًا، فقد يقوم شخص ما بمعاقبته قانونيًا. أيضًا يمكن محاربة هؤلاء الأشخاص بالنظر في أعينهم، واطلب منهم الكف عن هذه التصرفات، والتوقف عن التعامل بطريقة لا تمثل طبيعة الإنسان السوي، ثم امضِ في طريقك، وتجاهله تمامًا. إن علينا كمجتمع أن نحارب تلك الشتائم المبتذلة، ونرفع من قيمة الحوار البناء، والاتصال الفعال لنكون على قدر المسؤولية.
المصادر:
The psychology behind insult and criticism The Psychology of Insults شتائم جنسية الشتيمة الجنسية + 18 : الحوار المتمدن-العدد: 6293 - 2019 / 7 / 17 - 13:51