من الصادم حقًا أن الأزمة الأخلاقية التي نعيشها تمر بها شعوب قد جاء الدين الإسلامي ليتمم من مكارم أخلاقها، بل لأفراد كان أجدادهم يعيشون في مدن تقترب من كونها مدن فاضلة -الذي تكلم عنها أفلاطون- التي يستحيل الوصول لها.
خلق البشر بمختلف الأفكار والمعتقدات والأجناس والأعراق، وكانت الأخلاق والقيم النبيلة الحلقة الجامعة بينهم. فاختلت هذه القيم ونهشت لحم جميع طبقات المجتمع؛ فتجد الفقير يسرق ويقتل لفتات الخبز، ويستخدم ذوي السلطة قوتهم ليخرسوا بها الأصوات التي خالفتهم.
في واقع الأمر يخسر الأفراد القيم النبيلة إما بتنفسهم النفس الأول في بيئة خلت منها تلك القيم، أو يسمح لما في الحياة الدنيا من زينة بسرقة كل ما تعلمه من الأخلاق الحميدة. تبدأ حياة الشخص في الحالة الأولى من ولادته في ما يطلق عليه البعض "لبنة المجتمع" التي لا يكسوها سوى الخراب؛ فتجدها تأخذ من الثقافات الدخيلة الأفكار من حضيضها فقط؛ فتأخذ فكرة الانحراف وأهمية الكذب لتجعل المواقف في صالحك، وأن الغاية تبرر الوسيلة. فيخسر الفرد ما كان يفترض أن يكون القدوة الحسنة الأولى منذ نعومة أظافره.
ثم يكبر الفرد ويجهز نفسها للذهاب لبيته الثاني؛ المدرسة. ليتعامل مع مناهج همها الأول حشو المعلومات في الطلبة بغض النظر عن أهميتها في جعله فردًا فعالًا في المجتمع لاحقًا، ويدرّسها بعض المعلمين الذين يتجاهلون بعض السلوكيات التي يحتاج الطالب إلى تعديلها؛ متجاهلًا أثر هذه السلوكيات على المدى البعيد، مشتريًا بذلك راحة باله.
يخرج الفرد إلى الحياة الواقعية ليتعامل مع مجتمع البقاء فيه لأصحاب السلوكيات الأسوء؛ فالوظيفة ستذهب وبكل تأكيد للذي يعتمد على الواسطة والمحسوبية للحصول عليها دون استحقاقها، وقيامك بتقديم الرشاوي سيخرجك من المشكلة قبل دخولها أصلًا.
وكأن ما تعلمه الفرد من أفراد مجتمعه المنسلخين عن كل أشكال القيم النبيلة لم يكن كافيًا؛ فتجده يتصفح شبكات الويب التي تذكّره بما ينتظره من مغريات على الطرف الآخر من التخلي عن أخلاقه وقيمه والأعراف المحمودة.
ولن ننسَ أثر تخلي الأفراد عن الدين؛ ففقدوا بذلك ناظرهم الذي يراقبهم عندما لا يراهم أحد، فلا هم يخشون من العذاب الرباني، ولا يشعرون بالحزن بسبب ابتعادهم عن ما يعتبرونه منهجًا لهم. والمشكلة الفعلية تلخص في الآية الكريمة: {… فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} سورة الحج، فمشكلة تخلينا عن القيم النبيلة والأخلاق أن قلوبنا تعمى وتحاط بجدار سميك يرفض به القلب الاعتراف بالحق؛ فكيف يرى الحق عندما تكون تصرفاته مقبولة في قلبه المعمى بسبب معتقداته الخاصة ومصالحه الشخصية الضالة التي تفتقر لتلك القيم النبيلة.