لارين هي ابنة أختي وتبلغ من العمر أربع سنوات ونصف ولم يسبق لها من قبل الذهاب للمدرسة والتعليم بطريقة وجهية، فعندما دخلت صف KG1 كانت تدرس عن بعد مثلها مثل معظم طلاب العالم، كما كانت مدرستها في دبي وهي في عمان لاضطرارها المجيء مع أسرتها لعمان لعلاج أخيها
عمر الذي يعاني من ضمور في الدماغ.
كان التعليم بالنسبة للارين مليئاً بالصعوبات؛ فعليها أن تصحو كل يوم الساعة الخامسة صباحاً لتبدأ بحصص الأون لاين في تمام الخامسة والنصف بسبب فرق التوقيت بين عمان ودبي، وهناك طبعاً صعوبات أخرى بالنسبة لها، عبّرت عنها عندما سألتها عن سبب عدم حبها للمدرسة فقالت أنها أنها غير مسلية وأن المعلمة لا تترك لها ولزملائها فرصة للتحدث معاً، وأنها مضطرة أن تفتح الآيباد يومياً لحضور الدروس، وبعد انتهاء الشرح عليها أن تجلس مع والدتها لحل واجباتها في الوقت الذي تلعب فيه أختها الصغيرة وتحضر مسلسلات الكرتون وتلهو وتمرح مما سبب لها المزيد من الاكتئاب!
استمرت لارين على هذا الحال أكثر من شهرين، ومن ثم قررت الأسرة العودة لدبي ليلتحق الأبناء بالمدارس التي تعلم الطلاب وجاهياً هناك منذ فترة، بعد أن لاحظت أختي أن لارين وأخيها
صهيب الذي في الصف الأول يجدان صعوبة بالغة في التعلم عن بعد، وقد وصل بهما الحال إلى الاكتئاب وكره المدرسة والتعلم، فعادت الأسرة لدبي وبقي عمر لاستكمال علاجه في عمان.
لم يكن الأمر سهلاً على الأسرة أن تقنع لارين الطفلة التي كانت أولى تجاربها في الحياة الدراسية هي عن بعد، وما زاد الأمر سوءاً هو الظرف الخاص الذي عانت منه الأسرة في هذه الفترة، إلا أنها نجحت في النهاية؛ واستكملت لارين الوقت المتبقي من الفصل الأول في التعليم الوجاهي في مدرستها، وكانت تذهب إليها كل يوم بنشاط وتعود محمّلة بالقصص والبطولات التي شهدتها هناك لترويها لوالديها واخوانها.
فماذا فعلنا؟
- أخبرناها عن جائحة كورونا التي أصابت العالم فجأة وأن هذا الأمر استلزم بعض التغييرات للحفاظ على صحة وسلامة الجميع، وأن المدارس لا يمكن أن تغلق لأن الأطفال يجب أن يتعلموا حتى يكبروا ويستطيعوا العمل لكسب المال وشراء جميع مستلزمات الأسرة كما يفعل بابا الآن، كما أن عليهم أن يكونوا قادرين على العمل على حل المشكلات التي قد نتعرض لها مستقبلاً، وأن معظم مدارس العالم اعتمدت التعليم عن بعد لفترة قصيرة خوفاً على الطلبة من المرض، وهو ليس بأمر سيء فهو تجربة فريدة لأن هذا الجيل هو الجيل الوحيد الذي مر بهذه التجربة على مر الأزمان، وأنهم عندما يكبرون يستطيعون التحدث عن هذه التجربة لأبنائهم.
- أخبرناهم أيضاً أن الانقطاع عن الشيء يولّد شوقاً كبيراً له، فانقطاعها عن المدرسة سيجعلها تشتاق لرؤية معلمتها التي اعتادت على رؤيتها من خلال الشاشة وجهاً لوجه، وكذلك ستلعب مع زملائها في الصف بعد أن تعرفت عليهم مبدئياً من خلال هذه التجربة، ليكونوا أصدقاء حين اللقاء.
- وكذلك كان الأمر بالنسبة للعديد من المؤسسات التعليمية وغيرها، فحتى الطلاب الكبار وطلاب الجامعات عليهم أن يتعلموا عن بعد في هذه الفترة، وكذلك الآباء والموظفين الذين انتقل الكثير منهم للعمل عن بعد من المنزل... فكنت عندما يكون علي حضور اجتماع على Zoom أدع الأطفال يجلسون بجانبي وعند انتهاء الاجتماع أشرح لهم الأمر وأنني أنا أيضاً أعمل عن بعد.
- كنا نقول لهم أنه على كل العالم التكاتف لنهزم عدونا وهو الكورونا، وكنت أصور لهم هذه الحرب التي نخوضها في العالم بصراع الخير والشر الذي يشاهدونه في مسلسلات الكرتون، وأحدثهم بلغتهم الطفولية عندما أريد منهم ارتداء الكمامة مثلاً فأقول للارين "خذي درعك الواقي يا لارين البطلة، حتى لا تجرؤ الكورونا من الاقتراب منك" وعندما كنا نعقم الأغراض التي اشتريناها كنت أعطيها وأخوانها عبوات الكهول وأدعهم يرشون الأكياس، وهم يفعلون هذا بفرح وحماس كبيرين ويتخيلون أنهم يقتلون الكورونا ويطردوها من المنزل.
- كانت أختي تحاول اتباع أسلوب لطيف أثناء مساعدة أطفالها في حل الواجبات، وتحضر لهم ما يحبون من الشوكولاته والموالح والعصير لتكافئهم عند الانتهاء.
- كنا نخبر لارين عن متعة الذهاب للمدرسة، ونريها الصور ونقص لها ما نذكر من القصص والمواقف الإيجابية التي حدثت معنا في أيام الدراسة. وقالت لها والدتها بأنها تعرفت في المدرسة عندما كانت صغيرة على إحدى صديقاتها التي لديها طفل عمره 5 سنوات وهو صديق للارين، وقد استمرت صداقتهما حتى الآن. فأخبرتها أنها ستتعرف على أصدقاء ليكبروا معاً وينجبوا الأطفال ويصبح أطفالهم أصدقاء مثل ماما وخالتو أماني. كما شاركنا أخيها صهيب بالحديث عن مغامراته في المدرسة التي كان فيها العام الماضي.
- عندما وصلت الأسرة لدبي زاروا مدرسة الأبناء وعرفوا لارين على مرافقها، كما تصفحوا موقع المدرسة على الإنترنت لتعرف عن مدرستها أكثر .
- قبل أن تنتظم لارين وكذلك صهيب في الدوام المدرسي ذهب والدهم للمدرسة ووطلب المساعدة من الإدارة التي بدورها رحبت بهما وقدمت لهما الهدايا.
- كما ذهب الأطفال مع والديهما للسوق لشراء حاجيات المدرسة؛ فاختارت لارين حقيبة عليها شخصيتها المفضلة فروزن مما زاد حماسها للدوام لمدرسي لاستخدام هذه الحاجيات. وكذلك اشترت هدايا رمزية لمعلماتها وزملائها لأن العطاء يفرح القلوب ويقربها من بعضها.
- وطبعاً لا ننسى الروتين الصحي الذي اتبعته الأسرة كالنوم المبكر وتنظيم الوقت بين الدراسة واللعب والمشاوير لضمان استمرارية النشاط والحماس.
كانت هذه تجربتنا مع ابنة أختي وكيف زرعنا حب المدرسة والتعليم في نفسها، والتي أستطيع أن أصفها بأنها ناجحة... بإمكانك - عزيزي السائل- اتباع هذه الخطوات أو حتى التفكير بطرق مبتكرة تناسب طفلك مع مراعاة أخذ مشاعره ومخاوفه على محمل الجد ومناقشته بها، والتفاؤل بأنك سنتجح لأن المدرسة هي مكان محبب للطفل دائماً، ولن يكرهه ببساطة وخاصة إذا ساعدته بذلك.
مع تمنياتي أن يعود جميع طلاب العالم لمقاعد الدراسة في القريب العاجل.