تميز أبو هريرة رضي الله عنه بقوة ذكراته وحافظته فكان لا ينسى شيئاً سمعه رضي الله عنه، فكان هذا سبباً في كثرة روايته عن رسول الله حتى كان أكثر الصحابة رواية للحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعدد الأحاديث التي رواها أبو هريرة والمدونة في كتب السنة هي 5374 حديثاً تقريباً، وهو بذلك أكثر الصحابة مسنداً بلا منازع.
والسبب في هذه الذاكرة وقوة الحافظة والعدد الكثير من الأحاديث التي رواها أبو هريرة رضي الله عنه هو بكرة دعاء النبي عليه الصلاة والسلام له كما في جاء في الحديث عند الإمام البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه نفسه حيث قال:
" قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنِّي أسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا أنْسَاهُ؟ قَالَ: ابْسُطْ رِدَاءَكَ فَبَسَطْتُهُ، قَالَ: فَغَرَفَ بيَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ضُمَّهُ فَضَمَمْتُهُ، فَما نَسِيتُ شيئًا بَعْدَهُ".
ويضاف إلى دعاء النبي عليه الصلاة والسلام له كثرة ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، رغم أن صحبته له هي قريب الأربع سنوات حيث أسلم في السنة 7 هـ ، إلا أنه كان خلالها لا يكاد يفارق رسول الله حيث كان من أهل الصفة الفقراء المقيمين في المسجد ولم يكن له وقتها عائلة ولا زوجة، فكان قريباً من رسول الله متفرغاً لحضور مواقفه في الغالب، فلم يكن يشغله عمل ولا بيت ولا أهل ولا زرع ولا تجارة، بخلاف باقي الصحابة الذين كان عندهم مشاغل تجعلهم يغيبون عن بعض مشاهد ومواقف رسول الله.
ويضاف إلى تفرغه أنه قصد تلقي العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظ حديثه، فقد كان هناك أهل صفة غيره ولكنهم لم يفرغوا نفسهم لتلقي العلم بخلاف أبي هريرة ، حتى إنه لم يكتف بما سمعه من رسول الله مباشرة بل كان حريصاً على تتبع ما فاته من حديث قبل إسلامه وحضوره فكان يلقى الصحابة الذين صحبوا النبي قبله ويسمع منهم ما فاته مم حديث ويحدث به أحياناً عن رسول الله مباشرة وهو جائز لا إشكال فيه لعدالة الصحابة جميعهم.
وقد شهد كبراء الصحابة لأبي هريرة رضي الله عنه بما سبق من ملازمته لرسول الله وأنه أحفظمه لحديثه ومن تلك الشهادات:
قول عمر رضي الله عنه لأبي هريرة: "أنت كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا لحديثه".
وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: "أبو هريرة خير مني وأعلم بما يحدث".
بل شهد رسول الله نفسه لأبي هريرة بحرصه على الحديث وسماعه وتعلمه كما جاء عند البخاري عن أبي هريرة قلت: "يا رسول الله ! من أسعد الناس بشفاعتك ؟ قال: (لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث... إلى آخر الحديث".
وإنما بينت سبب هذه الميزة وسبب تفرد أبي هريرة رضي الله عنه بكثرة روايته للحديث لأن بعض مرضى القلوب من بني جلدتنا وبعض المستشرقين طعنوا في أبي هريرة رضي الله عنه في ذلك وجعلوا هذه الخصلة الحميدة سبباً للقدح فيه واتهامه بالكذب على رسول الله حاشاه رضي الله عنه عن ذلك.
ووجه دعواهم: أن مدة صحبة أبي هريرة لرسول الله لم تزد عن أربع سنين فكيف له أن يكون أكثر رواية للحديث من الصحابة الذين صحبوا رسول الله طوال مدة بعثته كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وغيرهم من الصحابة الذين صحبوه قبل الهجرة وبعدها بما مجموعه 20 سنة تقريباً!
وهذه الدعوى مقصدها في الحقيقة هو فتح باب التشكيك في السنة النبوية والطعن فيها وإسقاطها جملة وتفصيلاً وإنما الطعن في أبي هريرة هو الباب لذلك، وإسقاط السنة فيه إسقاط للدين لأنها الشارحة والمبينة لكثير مما ورد في القرآن وهي المغلقة الباب أمام كثير من أهل البدع والأهواء أمام تحريفهم للدين.
وبما بيناه سابقاً يظهر تهافت شبهتهم وأن قصر مدة صحبة أبي هريرة ليس فيها ما يستغرب معه كثرة روايته للحديث إذا علمت أنه اجتمع العوامل التالية:
1. قوة الذاكرة وعدم النسيان.
2. ملازمة رسول الله طوال النهار تقريباً وتفرغه لتلقي العلم.
3. قصده لتلقي وتتبعه من مصادره سواء عن رسول الله مباشرة أو من الصحابة.
4. أنه طالت حياته بعد وفاة رسول الله وجلس للتدريس والتعليم وقصده الناس لأخذ حديث رسول الله عنه، بينما غيره من الصحابة انشغلوا بأمور أخرى كقيادة الدولة وإدارتها، أو توفوا بعد رسول الله بفترة غير طويلة.
ومع ذلك كله فإنك إذا علمت أن عدد الأحاديث التي رواها أبو هريرة هو 5000 حديث بما في ذلك الضعيف والحسن والصحيح والمكرر علمت أن هذا العدد ليس بالكثير حقيقة أبداً.
وقد وجدت في أبي هريرة رضي الله عنه صفات أخرى كتواضعه وزهده في الدنيا وبره بوالدته.
والله أعلم