من العاقل الذي سيقول أن الصداقة تحدد بالفترة بالزمنية؟ بديهياً، أي علاقة في العالم تحدد بالمواقف. فأنا يمكنني أن أصنع صديقاً خلال يومين أو ثلاثة، فالمواقف التي تبين معدن الأشخاص ليست محددة بوقت ولم يقل أحد أنها تحدث بعد شهر أو سنة، بل من الممكن أن تحدث في أول يوم أو أول ساعة.
الصديق الحقيقي الذي يهتم فعلاً لمشاعرك، يقدّر مشاعرك السعيدة والحزينة، يفرح لفرحك ويحزن لحزنك ويساندك. الصديق الحقيقي من يعرفك عز المعرفة في نظري، من لا ينساك ولا يحقد عليك إن ابتعدت قليلاً واحتجت مساحتك الخاصة بعيداً عن جميع الناس.
لست مجبرة أن أكلم صديقي الحقيقي كل يوم، ولكنني أنام مرتاحة البال حين أعرف يقيناً أنه سيبقى صديقي ولن يتغير حتى لو لم أحادثه أو التقيه كل يوم، فكلنا عندنا مشاغلنا. وعلينا أن نقدر هذا.
ما هي المواقف التي تبين الصديق الحقيقي؟ حدوث حالة وفاة ربما، ردة فعل صديقك ووقوفه جانبك، مساندتك، إعطائك كتفه لتبكي عليه، الجاهزية والمواساة. الضيق المالي، الضيق النفسي، التعرض لمواقف محرجة وكيف سيتصرف هذا الصديق.
الصداقة الحقيقية تغير كلا الطرفين، فيتأثر كلاهما بالآخر، يتشاركان الأفكار والآراء التي قد تؤثر فيهما، أو المواقف التي يمران بها سوياً فتعلمهما معنى أن يكون لك صديق وسند.
تقبل الاختلاف والمفاجآت، كما يقولون، الصديق الحقيقي هو الذي حين تخبره أنك قتلت شخصاً ما لن يبلغ عنك الشرطة بل سيساعدك على إخفاء الجثة. قد يكون هذا مثالاً متطرفاً لكنه حقيقي إن أردنا إسقاطه على واقع الحياة.
إن قرر صديقك أنه سيتغير بطريقة ما، بشكل ما، وتقبلته، فأنت صديق جيد، وعليه بالطبع أن يتقبلك مهما كنت. فالصداقة المشروطة ليست صداقة.
ولكن الخبر السيء يا عزيزي القارئ أنه وبحكم خبرتي فحتى الصداقة لا تدوم. نعم الصداقة أقوى من الحب ولكن كلاهما زائلان. فجميع الناس بلا استثناء موقوتين بموعد مغادرة، لا نعرف ما هو ولكنه قادم وسيحدث. أعني أنه لا يوجد شخص دائم لك طول حياتك، فأنت صديق نفسك الوحيد في نهاية المطاف. وحتى إن استمرت الصداقة لعشرين سنة فهذا لا يعني أنها ستستمر لما تبقى من حياتك.