أخبرني ماذا ستفعل إن التقيت بنفسك؟

                             أهلًا بك يا نفسي، طبت عيشًا، ودُمتِ حُبًا

       أتمنى أن التقي نفسي فعلًا، لأربت على كتفها ثم احتضنها. وأخبرها كم كانت قوية في آن واحد. كم كانت نفسًا طيبةً رقيقةً، قامت بظلم نفسها من خلال صنع هالة من القسوة التي تتداعى عند دمعةِ من طفلٍ أو يافع، أو دعاء شيخ خاشع، أو خدمةٍ لشخص بلا مانع. كم كانت تدعي القوة والمنعة حتى لا تتوالى عليها الظروف والأيام، وحتى لا تطعن بظهرها من قبل الصديقات العزيزات التي طالما آمنت بوجودهن، حتى إذا وقعت الكَسرة تبينت العِبرة.

      كنت لأرفع القبعة لها على يقينها وإيمانها بقدرة الله على إحياء روحها، وعلى ثقتها بالمعبود وظنها الحسن به في كل خطوة قد أقدمت وستقدم عليها. أود أن أحييها على إخلاصها لكل من أحبت وعلى بهجتها وغبطتها لكل من تعاظم شأنه، وكبرت شكيمته وقويت عزيمته. سأقبل جبينها على رضاها بما هو آن وآت ومقبل، على حبها لمساعدة أيّ كان حتى لو علمت صدفةً بمكنون نفسه المتلون تجاهها.

     لكنت أيضًا لأوبخها على قلة حيطتها، وثقتها في بعض شخوص هذا العالم الزائف. لعاتبتها على عصبيتها ومزاجها وحبها لذاتها كما هي، ولوجهتها للقليل من اللطف واللين، والكثير من الحيطة من العالمين. فليست الحياة قويمة كريمة مجيدة كما كانت تحلم، وليست الدنيا طيبة هنيّةً وادعة كما كانت تظن. ففي الركن البعيد من أطراف الغابة قد تجد الذئب، وفي الركن الآخر قد تجد لص لقمة العيش، وفي ركنٍ آخر قد تجد الأفعى بالانتظار، وهناك في الطريق غير الممهدة ذات الحصى والغبار، ذات التعاريج الضخمة والغياهب المعتمة قد تجد المخرج إلى بيت الجدة. 

   لكنت أيضًا ذكرتها أن " حسبي الله ونعم الوكيل" هي الكافية، وأن الله هو الرقيب والحبيب والصديق، وأن نداءها له كل ليلة -بمشيئته- قد وصل، وأن الغد المشرق قادم فلا تستسلم ولا تيأس، وأن قميص يوسف قد اقتربت رحاله، وإن ريحه لقادمة، فلا تيأس ولا تتخاذل، فوالله وتالله لتتبدل العاصفة الهوجاء بشمس الربيع قريبًا. ولتتذكر: لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا.