قبل عدة سنوات توفي والد
م. رلى الكيلاني رئيس تحرير مجلة بيتي التي كنت محررة فيها، والتي كانت مختصة في الذكاء العاطفي
، فذهبت مع فريق العمل لتأدية واجب العزاء، فوجئت وقتها بأن ابتسامتها التي اعتدنا عليها ما زالت على وجهها ولسانها لا ينطق إلا بـ "الحمد لله" رغم تعلقها الكبير بالفقيد، سرحت وتخيلت نفسي مكانها -لا سمح الله- ماذا كنت سأفعل؟! بالتأكيد لن أكون بهذا الثبات وسأنسى وأرمي بعرض الحائط كل ما تعلمته عن الذكاء العاطفي!
بعد حوالي عام توفيت جدتي التي كنت متعلقة بها كثيراً فاسودت الحياة في وجهي لبضعة أشهر، إلى أن أنجبت أختي أول حفيد للعائلة وأسمته
عمر، لم أكن متعلقة به في الأيام الأولى كثيراً، ولكن ذات يوم كان يبكي دون توقف فحملته وكان ينظر في عينيّ وكأنه يستنجد بي، فأخبرت والديه بأنه قد يكون مريضاً فأخذاه إلى المستشفى ومكث هناك لأسابيع، عندها تعلقت كثيراً بهذا الطفل وكأنني أمه وعلمت أن عمر أتى مصطحباً معه عمر جديد لي، فأفقتُ من السوداوية التي رافقتني منذ وفاة جدتي وأيقنت بأن الحياة تأخذ منا الجميل لتعطينا الأجمل فعادت لي الروح من جديد.
بعد حوالي سبعة أشهر صعقنا بأن عمر يعاني من ضمور في الدماغ ما سبب الاكتئاب لوالدته والتي لم تزل تعاني منه حتى الآن، ومن هنا بدأ مشواري وبدأت قصتي كأم لطفل لم أنجبه وكداعمة لأسرة بدأت تخوض في عالم المجهول والخوف من المستقبل، وبدأت أطبق ما تعلمت عن الذكاء العاطفي عملياً، حينها عرفت سر ثبات وابتسامة م. الكيلاني حتى في أصعب الظروف.
وبما أنني كاتبة متخصصة في هذا المجال، وجربت أيضاً توظيف الذكاء العاطفي في حياتي وكان لي معه قصص نجاح عدة... أود أن أقدم لك بعض النصائح لتطور مهارات هذا النوع من الذكاء لديك: (1)، (2)
- لا تستمع لكل من يقول لك بأن عليك التخلي عن قلبك وأن تحكم عقلك فقط: فالشخص الذي يتمتع بقدر جيد من الذكاء العاطفي يتحلى بالإنسانية ويتعاطف مع نفسه ومع الآخرين.
- افهم نفسك ومشاعرك: عليك أن تعرف نقاط قوتك لتركز عليها، وكذلك نقاط ضعفك لتعمل على تحسينها من خلال القراءة والمعرفة والاقتداء بالأشخاص المؤثرين.
واعلم بأن جميع المشاعر التي تحس صحية؛ فلولا الخوف مثلاً لما استشعرنا الخطر وحذرنا منه ولكن الخوف الزائد يسبب الوسواس وأمراض مزمنة، لذلك علينا أن نسمح لأنفسنا بأن نختبر كل المشاعر وإدارتها وعدم السماح لها بأن تسيطر علينا، وذلك من خلال التأمل وممارسة الهوايات وتعلم استراتيجيات إدارة الغضب مثلاً عندها ستجد تحسناً في صحتك الجسدية والعقلية وتطور في شخصيتك وعلاقاتك.
- تفهم مشاعر الآخرين وتواصل معهم بالتعاطف: فكما تتفهم مشاعرك عليك أيضاً أن تحاول قراءة وجوه الآخرين التي هي مرايا لمشاعرهم لتتعاطف معهم وتستمع لهم وتحاول مساعدتهم، فهذا يجعل علاقتك معهم صحية ويفيدهم ويفيدك أنت أيضاً؛ فالعلاقات الاجتماعية الصحية ضرورية لنعيش حياة أفضل.
- كن ممتناً واشكر الله على نعمه: فحتى ابنك العاق نعمة، وعملك الشاق نعمة، وحياتك العادية والروتينية نعمة كذلك
أحس معظمنا بها في فترات حظر التجوال بسبب جائحة كورونا. اكتب كل يوم 3 نعم في حياتك فقط واستشعرها فعلاً، عندها ستعرف كم أنت محظوظ.
- تعلم من أخطائك ولا تستسلم للفشل: الحياة تجارب ولولا هذه التجارب لما كنا كما نحن اليوم، فكل تجربة تمر علينا في الحياة يجب أن تعلمنا وتقوينا وتجعلنا نرى العالم بمنظار آخر، لا أن تستهلكنا وتجعلنا سوداويين. تذكر كم من مرة لم تستطع أن تركل الكرة عندما بدأت تعلم كرة القدم وكم أصبحت ماهراً بها اليوم! ستعرف حينها بأنك تعلمت شيئاً جديداً من كل محاولة غير ناجحة... هكذا هي الحياة تختبرنا لتعلّمنا ولتصقل شخصياتنا، وعلينا أن نعيشها بحلوها ومرها؛ فعندما تأكل تفاحة تستفيد من جزء منها ولكن قد يكون فيها جزء ضار بسبب تعرضها للمبيدات مثلاً، إلا أن هذا الجزء ألضار يقوي مناعتنا وهو ضروري لها.
- حدد هدفك وحفز نفسك بنفسك ولا تعتمد على الآخرين في تحفيزك وتشجيعك. أي اجعل حافزك داخلي ولا تنتظر المديح أو التشجيع من أحد، ولا تستمع للناس السلبيين الذين قد يحبطوك، وكن أنت محفز نفسك. لحسن الحظ فقد بدأت الكثير من الشركات تعتمد اختباراً لقياس نسبة الذكاء العاطفي لدى المتقدمين لوظائفها، لأن الذكي عاطفياً هو إنسان واعي بذاته ويستطيع تحفيز نفسه داخلياً، إضافة لقدرته على إدارة مشاعره وحل مشكلاته واتخاذ القرارات وإدارة الازمات والتواصل مع الآخرين بصورة أفضل.
- كن منفتحاً للتغيير: من أجمل الكتب التي قرأتها كتاب "
who moved my cheese" للكاتب
Spencer Johnson
الذي يشجعنا على تقبل التغيير والتعايش مع كل الظروف، فمن قال أن الظروف هي من تتحكم بنا؟! أفكارنا هي التي تفعل ذلك، لذا علينا أن نفكر بإيجابية لننتصر عليها، وأن نعلم أن من يرفض التغيير سيبقى واقفاً مكانه في سباق الزمن والتكنولوجيا والمتغيرات. فلو أخذنا ما حدث في العالم بعد جائحة كورونا مثالاً لوجدنا أننا نمر في ظرف استثنائي خارج عن سيطرتنا ولكننا ما زلنا نستطيع أن نسيطر على طريقة تفكيرنا وأن نقرر ألا نحيط أنفسنا بالسلبيين وأن ندعم أنفسنا ومن حولنا، وأن نعي بأن هناك مستجدات قد تفرض علينا. فمثلاًالشركات التي غيرت نظام عملها فزادت العمل عن بعد واعتمدت أساليب جديدة في التسويق هي التي نجحت أو على الأقل خرجت بأقل الخسائر. (3)
هل سألت نفسك أيضاً لماذا يكون عادة الابن الأوسط في الأسرة هو الأنجح في الحياة؟! الإجابة ببساطة أنه اضطر على التأقلم مع الظروف التي تكون غالباً مهيئة للابن الأكبر أو للابن الأصغر، وبالتالي اعتاد منذ صغره على تطوير ذكائه العاطفي بنفسه... إذاً فالذكاء العاطفي مكتسب، تستطيع تطويره في نفسك بنفسك... هكذا هي الحياة تمنحنا الفرص الإيجابية منها أو السلبية وتترك لنا خيار التعلم والاستفادة.
References:
- (1)
A book by Daniel Goleman "Emotional Intelligence, why it can matter more than IQ"
- (2)
50 tips for improving your emotional intelligence- (3)
How to Cope with Uncertainty:
Practicing Emotional Intelligence During Coronavirus